يشهد المشهد الثقافي اليمني في الوقت الحالي جدلاً واسعاً حول واقع الدراما اليمنية ومستقبلها، إذ تتصاعد الأصوات بين مؤيد ومعارض، وتتباين الآراء بين من يرى فيها مرآة للواقع ومن يعتبرها انعكاساً لتراجع فني. هذا الجدل يغذيه عدة عوامل، منها تأثير الصراع والظروف الاقتصادية، الذي أدى إلى تشتت الفنانين وتدهور البنية التحتية للإنتاج الفني، وانعكس سلباً على جودة الأعمال الدرامية، والتوجه نحو الكوميديا السطحية، الذي يشكو البعض من أنه أدى إلى تراجع مستوى الأداء التمثيلي، حيث يعتمد العديد من الممثلين على التهريج والمبالغة لجذب الجمهور.
كما أن غياب الدعم المؤسسي والتدريب، أدى إلى نقص في التدريب والتأهيل للممثلين الشباب، مما يؤثر على جودة أدائهم، ويحد من قدرة الفنانين على إنتاج أعمال فنية ذات جودة عالية. ولا يمكن إغفال تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، الذي لعب دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام حول الدراما اليمنية، حيث يتم تداول مقاطع فيديو ساخرة وانتقادات لاذعة للأعمال الدرامية، مما أدى الى تراجع قيمة الفن اليمني، وتشويه صورة الفنانين اليمنيين. وأخيراً، أثر الاستقطاب السياسي على الدراما، إذ أصبحت بعض الأعمال تحمل توجهات سياسية معينة، مما زاد من حدة الجدل، وأدى إلى تراجع الثقة في الدراما اليمنية، حيث يعتبرها البعض أداة للتعبير عن آراء سياسية معينة. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في إثارة جدل واسع حول مستقبل الدراما اليمنية
جيل الرواد: إرث فني خالد
“يُعد جيل الممثلين القدامى حجر الزاوية في تاريخ الدراما اليمنية، فهم صناع مجدها وروادها الذين وضعوا الأسس المتينة التي قامت عليها. لقد تركوا بصمة لا تُمحى في ذاكرة الفن اليمني، من خلال إسهاماتهم الفنية الخالدة وأعمالهم الدرامية المميزة التي تناولت قضايا اجتماعية وسياسية هامة، والتي لا تزال تُعرض حتى يومنا هذا.
وقد تميز هذا الجيل بأداء تمثيلي رفيع المستوى، وتجسيد عميق للشخصيات، مما جعلهم يستحقون بجدارة لقب “الممثلين” بكل ما تحمله الكلمة من معنى. إذ كانوا يمتلكون القدرة الفائقة على تقمص الأدوار بصدق وإحساس عالٍ، وبذلك يلامسون قلوب الجمهور ويؤثرون فيهم بشكل كبير. ومن بين أبرز هؤلاء الفنانين الرواد، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الفنانين الذين قدموا أعمالًا مسرحية وتلفزيونية وإذاعية، وأسسوا مدارس فنية في التمثيل والإخراج، وأثروا الساحة الفنية بإبداعاتهم.
وكان التمثيل بالنسبة لهذا الجيل رسالة سامية تهدف إلى نقل الواقع الاجتماعي والثقافي بكل تفاصيله، كما كانوا يلتزمون بالمعايير الفنية العالية في كل عمل يقدمونه. لذلك حرصوا على تقديم أعمال فنية تحمل قيمة فنية وإنسانية، وتساهم في بناء الوعي لدى الجمهور. وقد اعتمدوا على النصوص الأدبية القوية، والإخراج المتقن، والموسيقى التصويرية المعبرة، لتقديم أعمال فنية متكاملة تليق بتاريخ الفن اليمني.
ولقد كان لهذا الجيل دور هام في توثيق التاريخ اليمني، وتسليط الضوء على قضايا المجتمع اليمني، والمساهمة في بناء الهوية الوطنية. وقد تميزت أعمالهم بالواقعية والصدق، والقدرة على التأثير في الجمهور.
إن إسهامات هذا الجيل العظيم تستحق منا كل التقدير والاحترام، وعلينا الحفاظ على إرثهم الفني، وتذكير الأجيال الحالية بإنجازاتهم، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي عملوا بها. ويمثل هذا الجيل نموذجًا يحتذى به من قبل الأجيال الحالية، من حيث الالتزام بالمعايير الفنية، والحرص على تقديم أعمال فنية تحمل قيمة فنية وإنسانية.”
التحول إلى الكوميديا بين الشعبية والتراجع الفني
يُلاحظ في المقابل، ميل الجيل الحالي من الفنانين اليمنيين إلى تقديم عروض كوميدية ساخرة، أو ما يُعرف بـ “ستاند أب كوميدي”. ومع أن هذا النوع من الفن يحظى بشعبية واسعة، إلا أنه يُثار التساؤل حول مدى ارتقائه إلى مستوى التمثيل الاحترافي الذي عُرف في السابق.
يُشير تحليل الأداء إلى أن الممثل الحقيقي يتقمص الشخصية بكل تفاصيلها، ويعيشها بكل جوارحه، بينما يعتمد المؤدي في الغالب على الكوميديا السطحية والمبالغة، وقد يفتقر إلى العمق في الأداء. وبالتالي، فإن هذا التحول في الأسلوب يثير تساؤلات حول معايير الفن الحقيقي، وما إذا كان يمثل تطورًا طبيعيًا أم تراجعًا في الجودة.
إضافة إلى ذلك، يُلاحظ أن هذا التحول في الأسلوب يعكس تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وثقافة الترفيه السريع، إذ يميل الجمهور إلى البحث عن الترفيه الخفيف والسريع. ومع ذلك، يُثار القلق من أن هذا التحول قد يؤدي إلى تراجع في جودة الفن اليمني، وتهميش للأعمال الفنية التي تحمل قيمة فنية وإنسانية.”
تحديات الأداء التمثيلي
في السنوات الأخيرة، شهدت الدراما اليمنية تراجعًا ملحوظًا في مستوى الأداء التمثيلي، حيث يلاحظ المشاهدون أداءً باهتًا ومفتعلًا في العديد من المسلسلات. يُعزى ذلك إلى عدة عوامل، منها قلة الخبرة لدى بعض الممثلين الشباب، وعدم وجود تدريب كافٍ لهم، بالإضافة إلى ضيق الوقت المتاح للتصوير، مما يؤثر سلبًا على جودة الأداء. كما يلاحظ أن بعض الممثلين يفتقرون إلى الموهبة الحقيقية، ويعتمدون على المبالغة والتهريج لجذب انتباه الجمهور. وبالتالي، فإن هذا التراجع في الأداء التمثيلي يؤثر سلبًا على جودة المسلسلات اليمنية، ويقلل من قدرتها على المنافسة مع الأعمال الدرامية العربية الأخرى.
ومن ناحية أخرى، يؤثر الإنتاج السريع والتكلفة المنخفضة على جودة الأداء التمثيلي في المسلسلات اليمنية. ففي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، يضطر المنتجون إلى تقليل الميزانية المخصصة للإنتاج، مما يؤثر سلبًا على جودة التصوير والإخراج والأداء التمثيلي. كما أن ضيق الوقت المتاح للتصوير يجبر الممثلين على تقديم أداء سريع وغير متقن. وتُعتبر جودة الأداء التمثيلي عنصرًا أساسيًا في نجاح أي عمل درامي.
علاوة على ذلك، يواجه الممثلون الشباب في اليمن تحديًا كبيرًا يتمثل في غياب التدريب والتأهيل الكافي. ذلك لأن معظم الممثلين الشباب يعتمدون على الموهبة الفطرية فقط، ولا يحصلون على التدريب اللازم لتطوير مهاراتهم التمثيلية. وبالتالي، يؤدي ذلك إلى ظهور أداء تمثيلي غير متقن، يفتقر إلى العمق والإحساس. وتُعتبر فرص التدريب والتأهيل للممثلين الشباب ضرورية، من خلال إقامة ورش عمل ودورات تدريبية متخصصة. بالإضافة إلى ذلك، يتم التركيز على تعليم الممثلين الشباب أساسيات التمثيل، مثل تقمص الشخصية، والتعبير عن المشاعر، واستخدام لغة الجسد.
وبناء على ما سبق، فإن تحسين الأداء التمثيلي في المسلسلات اليمنية هو مسؤولية مشتركة بين الفنانين والمنتجين والجهات المعنية بالفن. ويسعى الفنانون إلى تطوير مهاراتهم التمثيلية، والحرص على تقديم أداء صادق ومؤثر. ويحرص المنتجون على توفير ميزانية كافية للإنتاج، وتوفير الوقت الكافي للتصوير. كما تعمل الجهات المعنية بالفن على توفير فرص التدريب والتأهيل للممثلين الشباب. ومن خلال التعاون والتنسيق بين جميع الأطراف المعنية، يمكن الارتقاء بمستوى الأداء التمثيلي في المسلسلات اليمنية، وتقديم أعمالًا درامية تليق بتاريخ الفن اليمني العريق. “
دور النقد في تطوير الفن التمثيلي
“يتجلى في الآونة الأخيرة اهتمام متزايد بتوجهات الفن اليمني ،ومن ثم تُثار نقاشات واسعة حول مستقبله. في الوقت نفسه، من الملاحظ أن الجمهور يمارس حقه في التعبير عن آرائه تجاه الأعمال الفنية،حيث يُعتبر النقد جزءًا من هذه العملية. ومع ذلك تُشير الآراء إلى أن النقد البناء قد يُسهم في تطوير الفن وتحسين الأداء، بينما يُمكن أن يؤدي التجريح إلى الإحباط وتثبيط العزائم ،ومن هنا، يبرز أهمية التمييز بين النقد الهادف الذي يسعى إلى تحسين الأداء الفني، والنقد الذي يتضمن إهانة وتجريح.
علاوة على ذلك، يُلاحظ أن الفنانين، مثلهم كمثل أي فرد، يمتلكون مشاعر وأحاسيس، ويستحقون الاحترام والتقدير. بالتالي، تُعتبر هذه النقطة أساسية في فهم طبيعة العلاقة بين الفنان والجمهور.
أن الفن اليمني يمتلك تاريخًا عريقًا وإرثًا ثقافيًا غنيًا، وهذا ما يطرح تساؤلا حول كيفية الحفاظ على هذا الإرث وتطويره بما يخدم المجتمع ويرتقي بالذوق العام. حيث تُعتبر هذه النقطة مهمة في تحديد مسار الفن اليمني في المستقبل.
ومن ناحية أخرى، فإن آمكانية الممثل اليمني إمكانية في الإستلهام من تاريخ الفن اليمني العريق – ضئيل- وتقديم أعمال فنية تعكس الهوية اليمنية الأصيلةأصبح مجرد حلم بالنسبة للمشاهد ،كما يُثار التساؤل حول أهمية تقديم أعمال فنية تحمل قيمة فنية وإنسانية، وتُسهم في بناء مجتمع أفضل.
ومن هنا قد يُلاحظ المشاهد أن بعض الأعمال الفنية تميل إلى الكوميديا السطحية وغير الواقعية، وعليه يُطرح استفسار كبير حول إمكانية تجاوز هذا النمط وتقديم أعمال فنية هادفة، تعكس واقع المجتمع، وتُسهم في تطويره.”